نشأة حركة الترجمة

حركة الترجمة في عهد الخلافة العباسية





The Translation Movement
BBC Radio 4

http://www.bbc.co.uk/programmes/b00dp4d8



حركة الترجمة

faculty.ksu.edu.sa/souad/Documents/حركة%20الترجمة.doc 

أولاً : الترجمة في عصر الدولة الأموية

لم تكن عملية الترجمة والنقل في ظل الدولة الأموية علامةً ظاهرةً ، ولم يكن لهم شغل بالعلوم الفلسفية ، إلاّ ما ذُكر عن خالد بن يزيد بن معاوية ، فقد ذكر ابن النديم أن خالد بن يزيد بن معاوية يسمى حكيم آل مروان ، وكان فاضلاً في نفسه ، وله همة ومحبة للعلوم ، خطر بباله الصنعة فأمر بإحضار جماعة من الفلاسفة ممن كان ينـزل مدينة مصر وقد تصفح بالعربية ، وأمرهم بنقل الكتب في الصنعة من اللسان اليوناني والقبطي إلى العربي ، وهذا أول نقل كان في الإسلام من لغة إلى لغة ، ثم نقل الديوان وكان باللغة الفارسية … ))( ) .

ويتبين من هذا أنّ حركة الترجمة لم تتعدَّ كتب الصنعة ، والذي حمل خالدًا على ذلك دوافع نفسية ورغبات شخصية ، حيث نقل ابن النديم أيضًا أنه (( قيل له : لقد جعلت أكثر شغلك في طلب الصنعة ، فقال خالد : ما أطلب بذاك إلاّ أنه أغني أصحابي وإخواني ، وإني طمعتُ في الخلافة فاختزلت دوني فلم أجد منها عوضًا إلاّ أن أبلغ آخر هذه الصناعة فلا أحوج أحدًا عرفني يومًا أو عرفته إلى أن يقف بباب السلطان رغبةً أو رهبةً ))( ) .

وربما يكون السبب في ذلك أنّ خالدًا رأى جده معاوية قد اتخذ من ابن أثال النصراني طبيبًا ، فأراد أن يتصل مثله برجال الطب والفلسفة والكيمياء

وأما عمر بن عبدالعزيز فقد ترجم في عهده كتب الطب ، وقرب إليه من الفلاسفة عبدالملك بن أبجر الكناني ، وكان طبيبًا ماهرًا أسلم على يد عمر بن عبدالعزيز
( ) .
فمما سبق يتبين لنا أنّ الترجمة في هذا العصر الأموي تناولت جانبين في هذه المرحلة

الأول : ترجمة العلوم الطبيعية ، كالطب والكيمياء ، دون أن تتجاوزها إلى العلوم العقلية ، كالمنطق وما وراء الطبيعة ، وذلك لحاجتهم لهذه العلوم مع عدم معارضتها للإسلام في الجملة .

الثاني : حركة التعريب للدواوين( ) .
ومما ينبه إليه في هذه المرحلة أنّ الاهتمام فيها لم يكن اهتمامًا بالفلسفة كعلم ، وما نقل عن أطباء وغيرهم فإنما هو معمول به كصنعة من الصناعات ، وهذا لا يطعن فيما نقول من أنّ العلم الشائع في هذا العصر هو العلم الشرعي الديني( ) .



ثانيًا : الترجمة في عصر الدولة العباسية
 
جاءت الدولة العباسية وكانت سياستها تختلف عن السياسة في الدولة الأموية ، فالثانية تميزت بالعصبية القبلية ، فكان خلفاؤها ووزراؤها من العرب . أما الدولة العباسية فقامت على أكتاف الفرس من أهل خراسان الذين لهم ثقافات قديمة قد تمسكوا بها ، زد على هذا أنّ كثيرًا من خلفاء بني العباس كانت نشأتهم غير عربية ، مما جعل عندهم مرونة في الانفتاح على غيرهم ؛ لذا أخذ خلفاء بني العباس يطلبون العلم يجميع أنواعه ، ويكلفون النقلة والمترجمين بنقل العلوم الحكمية - طب وهندسة وفلك - ويغدقون عليهم الإموال( ) .
وكان أبو جعفر المنصور - ثاني خلفاء بني العباس - قد عني بنشر هذه العلوم الفلسفية ، ولكن ليس جميع العلوم ، (( .. فبعث أبو جعفر إلى ملك الروم يبعث إليه بكتب التعاليم مترجمةً ، فبعث إليه بكتاب أوقليدس وبعض كتب الطبيعيات ، وقرأها المسلمون واطلعوا على ما فيها … ))( ) .

ولم تترجم في هذه المرحلة جميع علوم اليونان ، بل كانت بعض العلوم لم تترجم ؛ لما فيها من الضرر ، والذي تُرجم في عهد المنصور هي كتب الطب والمنطق ، فأما الطب فقد بدأت الترجمة فيه في عهد بني أمية ، وأما المنطق فالمعروف أنّ أبا جعفر هو أو من ترجمه .
وأما السبب الذي لأجله قام المنصور بالاهتمام بكتب الطب وتشجيع المترجمين على ترجمتها : ما حُكي من أنه أصيب بمرض في معدته فاستعصى على أطبائه علاج هذا المرض ، فدل على جورجيس بن يختشوع رئيس أطباء جنديسابور ، فعالجه ، فاتخذه طبيبًا له ، ثم جاء هارون وجعله طبيبًا له وأمره أن ينشئ في بغداد بيمارستانًا ( مدرسة طب ) ، فقام بذلك واستحضر أطباء جنديسابور ...( ) .
وأما المنطق فأول من اشتهر بترجمته عبدالله بن المقفع كاتب أبي جعفر المنصور . يقول ابن النديم : (( وقد كانت الفرس نقلت في القديم شيئًا من كتب المنطق والطب إلى اللغة الفارسية ، فنقل ذلك إلى العربية عبدالله بن المقفع وغيره ))( ) .

وما ينبغي التنبيه إليه أنّ الترجمة في عصر المنصور لم تقتصر على العلوم اليونانية ، بل شملت غيرها من العلوم


أسباب ترجمة المنطق


بعض الكتاب يرى أنّ هناك أسبابًا دعت أبا جعفر إلى ترجمة المنطق ، منها :

ـ كثرة المناظرات والجدل الديني بين المسلمين مع بعضهم ، وبينهم وبين أصحاب الديانات الأخرى ، فالمسلمون اختلطوا بكثير من أرباب الديانات القديمة ، وكان المسلمون يجادلونهم ، وكان المجادلون من غير المسلمين لهم دراية وعلم بالمنطق اليوناني ، فاضطرّ المسلمون إلى استعمال هذا المنطق الآرسطي لمقابلة حجج الخصوم الذي كان سلاحهم في المناظرة هو المنطق اليوناني .
2ـ دخول كثير من عقائد الفرس الدينية في الجماعة الإسلامية ، وقد سلك الفرس في تأييد عقائدهم مسلك الأقيسة المؤسسة على المنطق اليوناني ، فحمل علماء الإسلام على أن يسلكوا نفس طريقتهم بعد إتقانها ، ولكي يتمكنوا من إجادتها عمدوا إلى المنطق اليوناني يستمدون حاجتهم منه .
3ـ ضعف الإيمان وقلة الوثوق بكتاب الله وسنة نبيّه محمّد  .
4ـ ميل بعض العلماء والوزراء إلى علوم الفلسفة والنطق( ) .

عصر يحيى بن خالد البرمكي

ثم جاء عصر يحيى بن خالد البرمكي وأكمل وزاد في ترجمة الكتب ، حيث إنه بعث إلى ملك الروم بالهدايا الكثيرة ، حتى طلب منه كتب اليونان التي قد بنى عليها النصارى ولم يخرجوها إلى شعوبهم ، فوافق ملك الروم على ذلك وبعث بها إليه ، فلما وصلت جمع عليها كل زنديق وفيلسوف( ) .

عصر المأمـــــــون

في هذا العصر انفتح الباب للترجمة على مصراعيه ، وعمل ما لم يعمله سابقوه بأن قام بترجمة الفلسفة الإلهية فلسفة أرسطو وغيره ، واتسم عصره بأخذ الثقافة من مواردها الأصلية والبحث عنها في منابتها القاصية ، وشجع على ترجمة أمهات الكتب الأجنبية في مختلف اللغات في الفلسفة والطب والطبيعة والفلك والرياضة … ولم يدّخر المأمون وسعًا في ذلك ، فقد وثّق علاقاته بملوك الروم وأتحفهم بالهدايا الثمينة ، وسألهم صلته بما حضرهم من كتب أفلاطون وأرسطو … وكان من شروط عقد الصلح بينه وبين الإمبراطور البيزنطي ميخائيل الثالث أن يعطيه مكتبةً من مكتبات الآستانة … وازدهرت مكتبة بيت الحكمة التي أنشأها الرشيد وطورها المأمون( ) تطويرًا كبيرًا عما كانت عليه ، وعمل فيها كثير من النقلة عن اللغة اليونانية والسريانية والفارسية والقبطية …
هذا ؛ ولم يكن التشجيع على النقل في هذا العصر مقصورًا على الدولة ، بل كان لبعض الأفراد من أهل اليسار مشاركات قوية احتذوا فيها ما احتذاه المأمون ، ومن هؤلاء بنو موسى المنجم
( ) .
يقول ابن القيم : (( وولي على الناس عبدالله بن المأمون ، وكان يحب أنواع
العلوم … فأمر بتعريب كتب اليونان ، وأقدم لها المترجمين من البلاد ، فعربت واشتغل بها الناس … ))( ) .

وقال الصلاح الصفدي : (( حدثني من أثق به أن شيخ الإسلام ابن تيمية قدّس الله روحه كان يقول : ما أظن أنّ الله يغفل عن المأمون ، ولا بد أن يقابله على ما اعتمده مع هذه الأمة من إدخال هذه العلوم الفلسفية بين أهلها ))( ) .

أسباب ترجمة الفلسفة الإلهية


كانت حركة الترجمة في بداياتها محتشمة كان الغرض منها استقصاء التراث العلمي للأمم القديمة ، ولذلك عمدوا إلى الفلسفات الطبيعية والرياضية وأعرضوا عن نقل

1ـ الآثار الدينية .
2ـ الملاحم والأساطير .
وذلك بسبب التضاد التام بين الديانتين في توحيد الله المنطلق الأساسي للتفكير الإسلامي .
( )


المصادر والمراجع

1- الإبانة لابن بطة . ت/ رضا نعسان . الراية . الرياض . الثانية . 1415.
2- أبجد العلوم ، صديق بن حسن القنوجي ، ت/ عبد الجبار زكار، دار الكتب العلمية ، بيروت ،  1978
3- الإسلام في مواجهة الفلسفات القديمة ، أنور الجندي .
4- التفكير الفلسفي في الإسلام ، عبدالحليم محمود ، دار الكتاب العربي اللبناني ، الأولى 1974 .
5- تمهيد لتاريخ الفلسفة الإسلامية ، مصطفى عبدالرزاق ، مطبعة لجنة التأليف والترجمة ، الطبعة الثالثة 1386 .
6- الجانب الإلهي من التفكير الإسلامي ، محمّد البهي ، مكتبة وهبه .
7- دراسات في الأهواء للعقل . إشبيليا . الرياض . الأولى . 1418 .
8- الصفدية ، ابن تيمية ، ت/ محمد رشاد سالم ،  1406الثانية .
9- الصواعق المرسلة ، ابن القيم ، ت/ علي الدخيل الله . دار العاصمة - الرياض . ط. الثالثة 1418 .
10- صون المنطق والكلام عن فني المنطق والكلام ، السيوطي ، تحقيق علي النشار ، مكتبة السعادة الطبعة الأولى .
11- طبقات الأمم ، صاعد الأندلسي ، تحقيق : حسين مؤنس ، دار المعارف ، بيروت ، طبعة بدون تاريخ .
12- علوم اليونان وسبل انتقالها إلى العرب ، دي لاسي أوليري ، ترجمة وهيب كامل ، مكتبة النهضة المصرية .
13- عيون الأنباء في طبقات الأطباء ، ابن ابي أصيبعة ، ت/ نزار رضا ، دار مكتبة الحياة ،  بيروت
14- الفلسفة الإسلامية ، عمر كحالة ، مطبعة الحجاز ، بدون تاريخ ولا طبعة .
15- الفلسفة الإسلامية دراسة ونقد ، عرفان عبدالحميد ، مؤسسة الرسالة ، بيروت ، الطبعة
الثانية .
16- الفهرست ، محمد بن النديم ، دار المعرفة ،  بيروت ، 1398 - 1978
17- في الفلسفة الإسلامية ، محمد السيد نعيم ، الطباعة المحمدية ، القاهرة ، الثانية .
18- لوامع الأنوار البهية ،السفاريني ،المكتب الإسلامي ،بيروت ،الثالثة 1411
19- مبادئ الفلسفة ، أ. س. رابوبرت ، ترجمة أحمد أمين ، مطبعة لجنة التأليف ، ط الرابعة 1938
20- مجلة الرسالة الإسلامية ، العدد السابع ، جمادى الآخرة 1394 .
21- مجلة تاريخ العرب والعالم ، السنة 19 ، العدد 180 ، ربيع الأول 1420 .
22- مجموع الفتاوى ،ابن تيمية ،جمع : ابن قاسم، مجمع الملك فهد ،المدينة ،1416-1995
23- المدرسة السلفية وموقف رجالها من المنطق وعلم الكلام ، محمّد عبدالستار نصار ، دار الأنصار الطبعة الأولى 1399 ، 1979 .
24- مقدمة ابن خلدون ، دار القلم ، بيروت ،الطبعة الخامسة  1984
25- من الفلسفة اليونانية إلى الفلسفة الإسلامية ، محمّد عبدالرحمن مرحبا ، دار عويدات ، بيروت ، ط 2000 ، 1420 .
26- الموجز في تاريخ الفلسفة ، كمال اليازجي ، الدار المتحدة ، ط. الأولى 1975 .
27- موقف المتكلمين ، سليمان الغصن . دار العاصمة - الرياض . ط. الأولى 1416 .
29- كشف الظنون ، حاجي خليفة ،دار الكتب العلمية ،بيروت ،1413-1992
30- الوسيط في تاريخ الفلسفة الإسلامية ، عبدالمتعال الصعيدي ، مكتبة الجامعة الأزهرية ، الطبعة الخامسة .